-->

الفضيل الورتلاني



ولد إبراهيم بن مصطفى الجزائري المعروف بـ الفضيل الورتلاني في 2 جوان 1900 في بلدة بني ورثيلان بولاية سطيف شرقي الجزائر ، وإليها انتسب ، وجاءت شهرته بالورتلاني، ونشأ في أسرة كريمة لها اتصال بالعلم، فجدُّه الشيخ الحسين الورتلاني صاحب الرحلة المشهورة في التاريخ كان من العلماء المعروفين في منطقته والجزائر

انتقل إلى مدينة قسطنطينة سنة 1928 حيث استكمل دراسته على يد العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس ، وفي مدرسة "ابن باديس" تلقى دروسه في التفسير والحديث والتاريخ الإسلامي والأدب العربي، وتأثر بشيخه المصلح الكبير وبطريقته في الإصلاح، وغيْرته على المسلمين. ولم يلبث حتى بات منذ سنة 1932 مساعداً له في التدريس ، و متجوّلاً لصالح مجلة الشهاب ومرافقاً لابن باديس في بعض رحلاته بالوطن، مشاركاً بقلمه في كل من البصائر و الشهاب بروح وطنية متوثبة ، وشعور ديني ملتهب.

نشاطه 
نزل "الفضيل" فرنسا سنة 1355هـ1936م مبعوثًا عن الجمعية، وأقام في باريس، وبدأ نشاطه المكثف بهمة عالية، واتصل بالعمال والطلبة الجزائريين بفرنسا، وأخذ في إنشاء النوادي لتعليم اللغة العربية ومبادئ الدين الإسلامي ومحاربة الرذيلة والانحلال في أوساط المسلمين المقيمين بفرنسا، واستطاع خلال عامين أن يفتح كثيرًا من النوادي الثقافية في باريس وضواحيها وبعض المدن الفرنسية الأخرى.
وانتهز فرصة وجوده في باريس فاتصل بالدارسين العرب في الجامعات الفرنسية، وتوثفت بينهم المودة والصلة، مثل العلامة محمد عبد الله دراز صاحب كتاب (دستور الأخلاق في القرآن الكريم)، والشيخ عبد الرحمن تاج الذي صار شيخًا للأزهر، والعلامة السوري محمد المبارك، والشاعر عمر بهاء الدين الأميري.


وانتهز فرصة وجوده في باريس فاتصل بالدارسين العرب في الجامعات الفرنسية، وتوثفت بينهم المودة والصلة، مثل العلامة محمد عبد الله دراز صاحب كتاب (دستور الأخلاق في القرآن الكريم)، والشيخ عبد الرحمن تاج الذي صار شيخًا للأزهر، والعلامة السوري محمد المبارك، والشاعر عمر بهاء الدين الأميري.

وقد أقلق هذا النشاط السلطات الفرنسية فضيقت على الفضيل الورتلاني حركته، وجاءته رسائل تهدده بالقتل، فاضطُّر إلى مغادرة فرنسا إلى إيطاليا ومنها إلى القاهرة.

كانت وجهته إذن سنة 1940م القاهرة حيث آثر الانتساب إلى الأزهر فحصل على شهادته العالمية في كلية أصول الدين والشريعة الإسلامية مواصلاً جهاده القومي الوطني ، للتعريض بالاستعمار الفرنسي في الجزائر وخدمة القضية الجزائرية ، وقضايا المسلمين عموماً ، فأسس مثلاً سنة 1942م اللجنة العليا للدفاع عن الجزائر كما أسس سنة 1944م جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا ثم مكتب جمعية العلماء المسلمين في القاهرة سنة 1948م الذي استقبل فيه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي سنة 1952م وقد صار عضواً في تنظيم حركة الإخوان المسلمين وكانت تربطه صلة وثيقة بـحسن البنا، ونظرًا لملكاته الخطابية وقدرته على الإقناع، وكان من تقدير الإمام البنا للورتلاني أنه كان ينوب عنه حين يكون غائبًا عن القاهرة في إلقاء حديث الثلاثاء بالمركز العام لجماعة الإخوان.

وامتد نشاط الورتلاني إلى مساندة الأحرار في اليمن، وكانت البلاد تموج بحركة معارضة قوية، ورغبة طموحة في الإصلاح والتغيير، وكان الإمام حسن البنا على علم بما يجري في اليمن، ومِن تطلُّع إلى الخروج بالبلاد من عزلتها وفقرها وجهلها، فأوفد الفضيل الورتلاني إلى هناك[1] .

سنة 1366ه 1947م نزل الفضيل الورتلاني اليمن ونجح في توحيد صفوف المعارضة، وإزالة الخلاف بينهم، وبدأ في تهيئة الناس للتغيير بخطبه الحماسية التي تلهب المشاعر وتوقد الحماسة في الصدور.

وفي ربيع الآخر 1367هـ فبراير 1948م نجحت المعارضة في الوصول إلى الحكم بعد إزاحة الإماميحيى واتهم الورتلاني بالمشاركة في محاولة انقلابية في (اليمن) فقبض عليه هناك ثم أفرج عنه مع من شملهم العفو الذي سخر منه (الإبراهيمي) في مقالة نشرها في البصائر معرّضاً بالنظام القائم على الهوى لا على القانون. فغادر الورتلاني اليمن، وتنقل في عدة دول أوربية، ورفضت الدول العربية استقباله حتى وافقت لبنان على استقباله، شريطةَ أن يكون الأمر سرًا.

وبعد قيام حركة الجيش بالإطاحة بالملك فاروق عاد الورتلاني إلى مصر بعد غياب عدة سنوات ، واستقبله العلماء والسياسيون استقبالاً حسنًا؛ نظرًا لماضيه المشرِّف في الجهاد وعاد "الفضيل" إلى جهاده، ومؤازرة الثورة الجزائرية التي اشتعلت على أرض بلاده في سنة 1374ه 1954م، وأصدر بيانًا مع المجاهد الكبير الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رئيس جمعية علماء المسلمين- بعنوان: "نُعيذكم بالله أن تتراجعوا"، وشارك في تأسيس جبهة تحرير الجزائر سنة 1375ه 1955م، وكانت تضم الشيخ الإبراهيمي ، وممثلي جبهة التحرير مثل أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد، وبعض ممثلي الأحزاب الجزائرية. ولم تَطُل مدة إقامة "الفضيل الورتلاني" بالقاهرة، فقد غادرها إلى بيروت سنة 1375ه 1955م.

كان الورتلاني من الرجال الذين تشغلهم القضايا الكبرى عن نفسه، وربما وصل الليل بالنهار في عمل دائم، دون أن يذوق طعامًا، شأنه في ذلك شأن أصحاب الدعوات، وقد أدى ذلك إلى اختلال في صحته، وتعرُّضه لأمراض خطيرة، لكنَّ ذلك لم يمنعه من الحركة والعمل في سبيل الدعوة، حتى لقي ربه في إحدى مستشفيات مدينة أنقرة في 2 من رمضان 1387ه 12 من مارس 1959م، سنة 1987م و بعد سنوات من الجحود، نقلت رفاته من تركيا ليعاد دفنها في مسقط رأسه ودفن في مسقط رأسه بالجزائر.


قامت جمعية العلماء الجزائريين بجمع مقالات الفضيل الورتلاني في كتاب ضخم ونشرته في بيروت في عام 1963 تحت عنوان "الجزائر الثائرة". واحتوى الكتاب أيضاً على شهادات العلماء والسياسيين العرب في الإشادة بذكره والتنويه بجهاده. وقال فيه أحدهم: "لم أقابل في حياتي ـ لا قبله ولا بعده ـ من هو أعرف منه بالقرآن الكريم وعلومه، وتفسير آياته واستكناه أسراره وقدرته المنطقية على الغوص في أعماقها، واستنباطه منها ما يحلل به مشكلات الحياة، دونما تكلف أو تقعر، أو إغراق، وفي منطق سهل بيّن يخلب الألباب، إلى استيعاب للأمهات، ومسائل الفقه، واطلاع على تواريخ الأمم، والملل والنحل، والمذاهب السياسية والاقتصادية إلى حفظ للأخبار"(9).

وفاته
تمكّن منه الداء فصرعه في إحدى مستشفيات تركيا حيث كانت وفاته في 12 مارس 1959م.‏

سنة 1987م وبعد سنوات من الجحود، نقلت رفاته من تركيا ليعاد دفنها في مسقط رأسه.

وفي سنة 1980م دُشن مسجد بالجزائر العاصمة يحمل اسمه تخليدا له.


اقرأ أيضا:

0 التعليقات



Emoticon