-->

لنجعل أطفالنا بعيدين عن غضبنا

نصرخ بصوت عال، تتغير تقاطيع وجوهنا، نفقد السيطرة على أنفسنا، وقد يصاحب ذلك هجوم عنيف، وقد يتخلله ضرب أو صفع أو دفع، أو إيذاء جسدي لأنفسنا ولمن يحيط بنا، حالة تتسارع فيها الأنفاس وتزداد نبضات القلب، وتتشنج عضلات الجسم لتتوارد الأفكار السيئة والعدائية والسلبية والتي تقودنا إلى سلوك قد نندم عليه كثيرًا، ولكن بعد فوات الأوان!
أنه الغضب ..الآفة القاتلة التي حينها نفقد فيها السيطرة على ما نقوله أو نفعله، وإذا آمنا أنها سلوك سيئ وسلبي ونتائجه واضحة وأكثر، فلماذا لا نؤمن أيضًا بأننا قادرون على السيطرة عليه ..!
ما الذي يحدث لأسرتنا حين نغضب ؟
- نعطي أفراد الأسرة مثالاً سيئًا في فشلنا لعدم قدرتنا على ضبط النفس.
- تزداد الفجوة بيننا وبين الأبناء، نفقد التواصل معهم، ويفتقدون الأمن بنا.
- يسيطر على مشاعرهم الخوف من الغاضب، يبدأ الأبناء فيما بعد بالكذب واختراع الحيل اتقاء لشر الغاضب، ويبدؤون بتكوين عوالم خاصة بهم، والبحث عن من يتفهمهم بعيدًا عن الخوف والغضب.
- تتزعزع أركان الثقة، وتنخفض نسبة الشعور بالأمن النفسي والجسدي.
- تقل درجة استمرارية التواصل وخاصة مع المراهقين تدريجيًا حتى تنقطع ويصعب استعادتها.

إدارة مشاعر الغضب بإيجابية
ينبغي أن نحدد المواقع المثيرة للغضب في حياتنا والأسباب التي تؤدي إليها، ونحلل هذه المواقع والمواقف ونحدد أسبابها لنسهل عملية حلها بقدر الإمكان كي لا تستمر عائقًا يواجهنا نحو الاسترخاء. 
ينبغي أن نتحدث مع أنفسنا، وإن كان غضبنا من أبنائنا فعلينا أن نثق بأنهم لا يقصدون إغضابنا.
ندرب أنفسنا على أن نتحمل مسئولية مشاعرنا، ونتعامل معها دون التسبب بالأذى لمن حولنا.
لتدريب النفس من المهم أن نختار نشاطًا نقوم به مباشرة بعد حالة الغضب مثل الخروج من المكان والمشي أو الجري أو الاستحمام.
أن نتعلم مع التدريب أن نعبر بإيجابية عن مشاعرنا دون أن نوجه اللوم للآخرين ونحملهم الشعور بالذنب.
تجارب ناجحة
- غير وضعك الحالي: الخروج من المكان وعدم تكرار الحديث عن الأمر.
اغمض عينيك وتخيل نفسك في مكان ترغب به، بعيدًا عن الضوضاء.
- استنشاق الهواء بعمق من الأنف وإخراجه عن طريق الفم بهدف الاسترخاء، ثم افتح عينيك.
- استعذ بالله من الشيطان الرجيم، واستعن بالله.
- كرر تمرين التنفس وحبس الهواء لثوان وإخراجه ببطء من الفم.

الاهتمام بالذات
نتعرض للضغوط الحياتية في العمل والتربية، لذا من المهم ألا نجعل ذواتنا مهملة ومحملة بأعباء لا تنتهي، وهناك بعض الخبرات التي مر بها آخرون أو توصل لها خبراء لتقلل الضغط على النفس ومن أهمها:
أن نكون واقعيين في ما ننتظره من الآخرين وما ينتظرونه منا.
من المهم ألا نجعل هناك مشكلات عالقة دون حلول، فتراكمها ينتج جبلاً من الهموم يصبح من الصعب إزاحته، فتتشكل ضغوطا إضافية.
لنتعامل مع النفس بإيجابية، ونستنتج دروسًا مستفادة من الأخطاء التي مررنا بها.
لنهتم بمظهرنا ونعتني بهندامنا، فهذا يجعلنا نحافظ على داخلنا أيضًا.
ليس أجمل من أن نستقطع وقتًا لأنفسنا، للتأمل والاسترخاء، والإحساس الحقيقي بإجازة نهاية الأسبوع والتغيير في روتين الحياة من وقت لآخر.

مراهقون غير مرهقين
من تجارب الأهالي مع أبنائهم المراهقين، يكاد الكثيرون يجمعون على أن فترة المراهقة من أصعب المراحل التي تمر على الوالدين في تعاملهم وتفاهمهم مع أبنائهم اليافعين، فهذه الفترة يشوبها الطيش وعدم الانضباط، وغالبًا ما تكون هناك نظرة إيجابية من الأسرة للمراهق، فهو دائمًا على المحك، وتصرفاته مراقبة كثيرًا، ويراها الوالدان مرحلة من الصراع تمر بها الأسرة، ومرحلة الأزمات المتوالية، وفي المقابل لليافعين من الأبناء وجهة نظر أخرى، فهم يرون أن أسرهم لا تتفهم تصرفاتهم، ولا تعتني باحتياجاتهم النفسية والجسدية والاجتماعية، وأن كل ما تفعله الأسرة هو توجيه النقد واللوم والتقليل من قدراتهم، ونسب الأخطاء إليهم، ووصفهم بالفشل ونعوت أخرى لا يحبونها، لذا هم مستبعدون عن المشاركة واتخاذ القرارات، وآراؤهم دائمًا مصادرة حتى لو كانت ملائمة.

أهال نموذجيون
دائمًا الدور الوالدي يمنح الوالدين الرضا، ويحقق ذواتهم ويمنحهم الشعور بالأمان، وفي بدايات تكوين الأسرة، ووجود أطفال في سن مبكرة وانشغال الوالدين بأمورهم المتوالية والتي تحتاج إلى تركيز واهتمام ومتابعة تجعلهم لا يهتمون كثيرًا في التفكير بالمرحلة المقبلة من حياة الأبناء، وخاصة حين يبدأ الأطفال بالوصول إلى سن المراهقة، فيشعر الوالدان أنهما فجأة أصبحا أمام أمور جديدة، تتطلب مسئولية من نوع آخر، وتتطلب تجربة أساليب متنوعة تنحو بالجو الأسري عن الصراعات، ولكن ما ينتج عن هذا الأمر أن الكثيرين يجدون أنهم تأخروا في وضع الحدود والقوانين الأسرية، التي تعلم الأطفال منذ سن الطفولة المتأخرة أن هناك حدودًا وواجبات مقابل الحقوق التي يحصلون عليها، ويغفل كثير من الآباء عن هذا الأمر الذي يجنب المراهقين الصراع، والذي يجعل هذه المرحلة أكثر أمانًا للطرفين، فتصبح العلاقة أكثر إيجابية، وتتوطد فيها صداقة بين المراهق والأسرة، وينمو فيها الشعور بالانتماء والارتباط بالوالدين، ويزداد فيها تقدير المراهق لأسرته لتصبح الأسرة هي خط الحماية الأول والذي يقي المراهق فيما بعد من الانزلاق في متاهات الانفتاح الذي تفرضها الحياة العصرية الآن.

علينا واجبات ... ولكن لنا حقوق
مفاهيم التربية التي أوردها القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة، نصت على حفظ حقوق الطفل ودعمها، وأوضحت مسئوليات الوالدين بدءا من الزواج والحمل والولادة والتسمية والرضاعة وتقديم العناية الصحية والغذائية والإرشاد والتوجيه، وكل هذه الحقوق أكدتها فيما بعد المواثيق الدولية، ولكن بعيدًا عن تامين الحاجات النفسية الأساسية والمادية من غذاء وملبس ومسكن وعلاج وتعليم، هناك أدوار يتحتم تقديمها، ولها علاقة مباشرة بالمشاعر تجاه الأبناء، وهي أهم الركائز التي تؤثر في العلاقة مع الأبناء بعد أن تتكون وتنضج شخصياتهم ويصبح لهم كيانات وفضاءات خاصة ..وأهمها ما يلي:
تمضية أوقات خاصة معهم، وإدارة حوارات خاصة حول اهتماماتهم، والإصغاء الجيد لمشاعرهم، وبنفس الوقت تعابيرنا لهم عن مشاعرنا سواء بالحب أو الفخر بهم، وإخبارهم بطرق مناسبة عن الأمور التي تزعجنا أو تغضبنا لسوء تصرف منهم أو تطاول أو خروج عن الحدود العامة، وأن نستطيع الفصل بين سلوكهم غير المرغوب وبين مشاعرنا نحوهم.
ترسيخ عدم التمييز بينهم، وترك المجال للمراهقين بالتعبير عن أنفسهم ومشاعرهم حتى رفضهم لقرارات معينة، والاستماع لأسبابهم ومناقشتها معهم حتى الوصول لحلول مناسبة للطرفين من خلال الشرح والتفسير والتبصير والإقناع.
تعزيز القيم الإيجابية لديهم، ومنحهم مسئوليات مستقلة ومناسبة لقدراتهم، مع تأمين الدعم والمساندة لهم عند الحاجة إليها، والتعبير لهم عن الفرح بهم عند تحقيق الأهداف.
منح المراهقين الأمن النفسي من خلال خلق أجواء ايجابية داخل المنزل، وتعزيز علاقاتهم مع الآخرين، واحترام مشاعرهم الشخصية.
تعامل الوالدين بواقعية، وألا يرتفع كثيرًا سقف توقعاتنا منهم، وأن نؤمن كوالدين بأنهم معرضون للإخفاق كما هم معرضون للنجاح، وأن يكون للوالدين القدرة على معرفة إمكانات وقدرات المراهق ومهاراته الحياتية، وأن نجعلهم في ظروف تنمي هذه المهارات ونمنحهم الفرصة للتطور من خلال التجربة وتكرارها.
التحلي بالصبر والمثابرة في التربية والتعامل من قبل الوالدين، وأن يكونا مستعدين وقادرين على مواجهة أمور جديدة لم يتعاملوا معها سابقًا.
ضبط معادلة مهم جدًا يجب على الوالدين القيام بها، وهي منح المراهقين حريتهم في خوض تجارب الحياة بما يتناسب مع القيم والمفاهيم والأخلاق، وأن يكون لدينا القدرة على أن نفرق بين إتاحة الفرص المناسبة وبين الحماية الزائدة.
كيف نواجه المرحلة؟
نكتشف ونبحث فيما لا نعرفه عن المراهقة، ونعترف لأنفسنا أننا نحتاج لطلب المساعدة من المتخصصين، ونسارع بطلبها ونفكر دائمًا بأهمية تطوير أدواتنا وطرق التواصل بيننا، وليس أجمل من أن نمنح المراهق الفرصة تلو الأخرى، وأننا نثق به ونذكره دائمًا بأننا نثق به وإن أخطأ، وأننا نحبه كما هو لا كما يجب أن يكون، وأننا حين نعاقب او ننتقد فلأننا نوجه النقد أو العقاب لسلوكه وليس لشخصه، وأن نتذكر دائمًا أن نحتفل بانتصاراته ومناسباته الخاصة وبنجاحاته، وأن نتوجها بمكافأة عاطفية ومادية بنفس الوقت تمنحه شعورًا بأهمية ما يفعل.



بقلم : أسماء العبودي 

مجلة المعرفة

اقرأ أيضا:

0 التعليقات



Emoticon